سورة المائدة - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (94) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)} [المائدة: 5/ 94- 96].
أخرج ابن أبي حاتم في سبب نزول هذه الآية عن مقاتل: أنها نزلت في عمرة الحديبية، حيث ابتلاهم اللّه بالصيد، وهم محرمون، فكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم، وكانوا متمكنين من صيدها، أخذا بأيديهم، وطعنا برماحهم، وذلك قوله تعالى: {تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ} فهمّوا بأخذها، فنزلت هذه الآية.
والمعنى: يا من اتّصفتم بالإيمان، وصدّقتم بالله ورسوله، وآمنتم بالقرآن، ليختبرنكم اللّه بإرسال كثير من الصيد، تأخذونه بالأيدي أو تصطادونه بالرماح، وسبب الاختبار لإظهار ما علمه اللّه أزلا من أهل طاعته ومعصيته أنه حاصل منهم في حال الحياة، فيعلم اللّه علم ظهور وانكشاف من يخافه بالغيب حيث لا يراه الناس، ومن يخافه أمام الناس فقط، فمن اعتدى، أي تجاوز حدود اللّه بعد هذا البيان الشافي في الصيد، فله عذاب شديد الألم في الآخرة لأنه لم يبال باختبار اللّه له في الدنيا.
ثم حرّم اللّه تعالى صيد البر حال الإحرام بحج أو عمرة، سواء في داخل الحرم المكي وخارجه، ليتفرّغ النّسّاك والعبّاد للعبادة، فإن قتل المحرم عمدا أو خطأ شيئا من الصيد البري، فعليه جزاء من الأنعام، يماثل ما قتله في الهيئة والصورة إن وجد، وإن لم يوجد المثيل، فتجب القيمة.
فمن قتل نعامة مثلا فعليه بدنة (جمل أو ناقة)، ومن قتل حمارا وحشيّا فعليه بقرة، ومن قتل ظبيا فعليه شاة، ومن قتل طائرا، فعليه قيمته إلا حمام مكة ففيه شاة.
ويتم تقدير الجزاء من قبل شخصين مؤمنين عدلين. ويذبح الشيء المماثل في حرم مكة دون سواه، ويوزع لحمه على مساكين الحرم، لقوله تعالى: {هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ}.
ويخير قاتل الأنعام (الإبل والبقر والغنم ونحوها) بين تقديم مماثل من النّعم، وبين إخراج كفارة: هي طعام مساكين لكل مسكين مدّ (675 غم) بقدر قيمة الصيد، بأن يقوّم الصيد الذي أصابه، وينظر كم ثمنه من الطعام (الحنطة) فيطعم لكل مسكين مدّا، أو يصوم مكان كل مدّ يوما. والسبب في تشريع الجزاء على قتل الصيد:
أن يذوق القاتل وبال أمره، أي ثقل فعله، وسوء عاقبة أمره، وهتكه لحرمة الإحرام. وأما الماضي قبل هذا التحريم فهو معفو عنه، لقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} أي لا إثم فيما وقع منكم في زمن الجاهلية، أو قبل هذا التحريم من قتل الصيد في حال الإحرام، ولم يؤاخذكم عليه. ومن عاد إلى قتل الصيد البري وهو محرم بعد هذا النهي والتحريم، فإن اللّه ينتقم منه في الآخرة لإصراره على المخالفة والذنب، واللّه عزيز، أي قوي غالب على أمره فلا يغلبه العاصي، واللّه جبّار منتقم بحق وعدل، يعاقب من اقترف الذنب بعد النهي عنه.
والآية دليل واضح على أن الجزاء الدنيوي يمنع عقاب الآخرة إذا لم يتكرر الذنب، فإن تكرر استحق المذنب جزاء الدنيا (الكفارة) وجزاء الآخرة وهو نار جهنم.
وأباح اللّه للمحرم بحج أو عمرة اصطياد البحر، وطعامه الذي يلقيه البحر، فيجوز للمحرم تناول ما صيد من البحر، سواء كان حيّا أو ميتا، قذفه البحر أو طفا على وجه الماء، أو انحسر عنه الماء، وحكمة إباحة صيد البحر: هي أن ينتفع به المؤمنون المقيمون والمسافرون على السواء، لقوله تعالى: {مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}.
وأما صيد البحر من الوحش والطير: وهو ما يكون توالده ومثواه في البر، فيحرم تناوله من المحرم بحج أو عمرة إذا صاده بنفسه، ولا مانع ما صاده غير المحرم، أو اصطاده الشخص في غير الإحرام، واتّقوا اللّه أيها الناس فيما نهاكم عنه من الصيد أو الخمر والميسر ونحوهما، فإنكم ستعرضون عليه يوم الحشر، ومصيركم ومرجعكم إليه، فيحاسبكم حسابا عسيرا على القليل والكثير، يعاقب العاصي، ويثيب الطائع.
مكانة البيت الحرام والشهر الحرام:
للبيت الحرام، أي الكعبة المشرفة مكانة عظيمة عند اللّه تعالى في شريعة إبراهيم الخليل عليه السّلام، وفي شريعة الإسلام، لاعتبارات معنوية سامية، ولكونها مقرّا لتوحيد اللّه تعالى من قبل جميع الناس، وكذلك عظّم اللّه الشهر الحرام كالمحرّم ورجب، وكل ما يهدى لأهل الكعبة من أنعام أو مواش، وعظّم اللّه ذوات القلائد من الهدي، وهي الأنعام التي كانوا يضعون القلادة على أعناقها إذا ساقوها هديا مقدّما لذبحه وتوزيعه على فقراء الحرم. قال اللّه تعالى:


{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)} [المائدة: 5/ 97].
الكعبة: بيت مكة، وهو أول بيت وضع للعبادة في الأرض، وسمي كعبة لتربيعه، قال أهل اللغة: كل بيت مربع فهو مكعب وكعبة، وقال قوم: سميت كعبة لنتوئها ونشوزها على الأرض. وقد بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام بمكّة المكرمة.
واللّه سبحانه عظّم الكعبة وجعلها مقرّا موحّدا للعبادة، وصيّرها محطة يقوم بها أمر الناس وإصلاح شأنهم في أمر دينهم بالحج إليها، وفي أمر دنياهم بتوفير الأمن فيه لداخله، وتحقيق المنافع وجباية الثمرات المختلفة من كل شيء إليها، وهي تشبه الملك الذي هو قوام الرّعية وقيامهم، ورمز تفوقهم وعزّتهم، وأساس قوتهم ومنعتهم.
وجعل اللّه الكعبة مثابة للناس وأمنا، فيه يأمن الخائف، وينجو اللاجئ كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 29/ 67].
وصيّر اللّه الكعبة مهوى الأفئدة والقلوب، فهي في كل مكان وزمان تهوي القلوب إليها. وهي أيضا سبب لزيادة الرزق والثمرات، فيقوم أمر العباد ويصلح شأنهم في الدنيا والآخرة، وهكذا يجد كل من حج حاجته أو مطلبه، إجابة لدعاء إبراهيم عليه السّلام: {رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)} [إبراهيم: 14/ 37].
واللّه سبحانه جعل الكعبة أيضا مقرّا لالتفاف المسلمين حولها، والقيام بأداء المناسك والتّعبدات، وتهذيب الأخلاق وضبط النفوس وتزكيتها، وتوحيد وجهات نظر المسلمين في شؤونهم العامة والخاصة، وتأكيد رابطة الأخوة الإيمانية، وبعث القوة في النفوس، وإحياء روح الجهاد، وتذكير الوحي الإلهي، وتجديد الإسلام في الأعماق.
وجعل اللّه الأشهر الحرم فترة سلام وأمان، وتلك الأشهر هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي هو شهر مضر، وهو رجب الأصم لأنه لا يسمع فيه صوت السلاح، فيأمن الناس على أنفسهم وأموالهم ومعايشهم وتجاراتهم، وتهدأ النفوس، وتخمد نار الحروب، وينصرفون إلى العبادة والحج وصلة القرابة، وتحصيل الأقوات كفاية العام.
وكذلك الهدي (وهو كل ما يقدم من الأنعام حين زيارة البيت الحرام) والقلائد أي الإبل المقلّدة المعلمة بلحاء الشجر، جعلها اللّه قياما للناس أي أمانا، فالهدي أمان لمن يسوقه لأنه يعلم أنه في عبادة، لم يأت لحرب، وكذلك القلائد من الإبل التي تقلّد بلحاء الشجر أو غيره، فتكون أمانا لمن قلّدها، وكان هذا التقليد أو العادة المتّبعة محلّ تعظيم شديد في نفوس العرب، حتى إن من ليس بمحرم لا يقدر أن يتقلّد شيئا خوفا من اللّه، وكان هؤلاء الزّوار للكعبة إذا انصرفوا، تقلّدوا من شجر الحرم.
قال سعيد بن جبير رحمه اللّه: جعل اللّه هذه الأمور للناس وهم لا يرجون جنة ولا يخافون نارا، ثم شدّد ذلك بالإسلام.
فعل اللّه وجعل هذه الأمور معالم أمن ونفع، لتعلموا أيها الناس أن اللّه تعالى يعلم تفاصيل أمور السماوات والأرض، ويعلم مصالحكم أيها الناس قبل وبعد، فانظروا لطفه بالعباد على حال كفرهم. واللّه تعالى علّام بكل شيء صغير أو كبير، سرّ أو علن، باطن أو ظاهر. وعلمه تعالى علم تامّ بالجزئيات ودقائق الموجودات، كما قال عزّ وجلّ: {وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 6/ 59].
أسباب التّرغيب والتّرهيب:
يحرص القرآن الكريم على اتّباع منهج الجمع بين الترغيب والترهيب، ليكون الترغيب دافعا إلى البناء والعمل الإيجابي، ويكون الترهيب والتخويف سببا في البعد عن الهدم والانهزام وسلبيات الأمور والأوضاع.
ويفهم الإنسان المؤمن العاقل حين اقتران الترغيب بالترهيب ضرورة الموازنة والتفكير الجدي والعمل الحاسم بتوجيه نفسه وغيره نحو الخير، واجتناب الشّر والمنكر. وسرعان ما تظهر نتيجة الموازنة والمقارنة سواء في الدنيا أو في الآخرة، ففي الدنيا يظفر فاعل الخير بالسعادة وتحقيق السمعة الطيبة، ويسقط الشرير من أعين الناس، ويحذرونه وينأون عنه، وفي الآخرة يحظى المؤمن الصالح بالخلود في جنّات النعيم، والنجاة والفلاح في الحساب بين يدي اللّه تعالى، ويتلقى الكافر والفاسق والعاصي في الآخرة صفعة موجعة مؤلمة، ويتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.
قال اللّه تعالى:


{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)} [المائدة: 5/ 98- 100].
وسبب نزول آية: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ}:
فيما أخرج الواحدي والأصفهاني عن جابر رضي اللّه عنه: أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر تحريم الخمر، فقام أعرابي فقال: إني كنت رجلا كانت هذه تجارتي، فاعتقبت منها مالا، فهل ينفع ذلك المال إن عملت فيه بطاعة اللّه تعالى؟ فقال النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم: إن اللّه لا يقبل إلا الطيب، فأنزل اللّه تعالى تصديقا لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)}.
خوّف اللّه تعالى عباده ورجّاهم، وأرهبهم ورغّبهم في قوله سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)}. وهذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه حال الناس، فجدير بالإنسان أن يكون خائفا، عاملا بحسب الخوف، متّقيا متأنسا بحسب الرجاء لأن اللّه لم يخلقنا عبثا، ولم يتركنا هملا، بل لابد من جزاء العاصي، وإثابة الطائع، واللّه سبحانه شديد العقاب لمن خالف أوامره، فأشرك بالله وفسق وعصى ربّه، وهو تعالى غفار رحيم (كثير المغفرة والرحمة) لمن أطاعه، ونفّذ أوامره، واجتنب نواهيه، يرحم التّائبين المصلحين أعمالهم من وقت قريب قبل أن يدركهم الموت، وهذه الآية تقتضي أن الإيمان لا يتم إلا بالرجاء والخوف. وأن الاعتدال هو بخشية العذاب، وحسن الظن بالله تعالى معا. وفي تقديم العقاب على المغفرة دليل على أن جانب الرحمة أغلب لأن رحمته تعالى سبقت غضبه كما صح في الحديث النّبوي، وكما قال تعالى: {وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [المائدة: 5/ 15].
وليس من وظيفة الرسول حمل الناس على الهداية والتوفيق للإيمان، وإنما عليه التبليغ وأداء الرسالة، ثم يتولى اللّه إثابة المطيع، ومعاقبة العاصي، لأنه سبحانه يعلم ما ينطوي عليه صدر العبد، ويعلم ما تبدون وما تكتمون، ويعلم السّر وأخفى، وإلى اللّه المرجع والمآب.
ثم أمر اللّه نبيّه بأن يعلم الناس: أنه لا يستوي الخبيث والطيب، والكافر والمؤمن، والضّار والنافع، والفاسد والصالح، والظالم والعادل، والحرام والحلال، ولو أعجبك أيها المشاهد كثرة الخبيث من الناس أو كثرة المفسدين أو الأموال الحرام عند شخص ما كالرّبا والرّشوة والخيانة، أو ولو تعجبت من قلّة الطيب من الصالحين الأبرار. قال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} [ص: 38/ 28].
فاتّقوا اللّه يا أهل العقول، واحذروا تسلّط الشيطان عليكم، فتغتروا بكثرة أهل الباطل والفساد، أو كثرة المال الحرام، لعلكم تنجون من العذاب، ولأن العاقل هو الذي يتذكر ويعي ويحذر، وتقوى اللّه: هي سبيل الفلاح والفوز والنجاة وإحراز خيري الدنيا والآخرة. والأمر بالتقوى تأكيد لما سبق، من الترغيب في الطاعة والتحذير من المعصية.
السؤال فيما لم ينزل به وحي:
الوحي الإلهي التشريعي لتنظيم حياة المسلمين شيء واحد متكامل، لا يهمل منه شيء، وما كان ربّك نسيّا، وإنما كان نزول القرآن الكريم تدريجا، فينزل الحكم الإلهي في المكان والزمان المناسبين، ويأتي الجواب الشافي للمسائل الطارئة أو المشكلات المختلف فيها بحسب الحكمة الإلهية، وبمقتضى الحق والعدل الإلهي والمصلحة العامة، لذا فإنه ليس من الأدب أو اللياقة استعجال الجواب عن بعض الأمور، ويترك كل تفصيل ضروري لله المشرّع، فهو من شأن الوحي وحده، لا بحسب الأمزجة والتّطلعات، ويكون السؤال عما لم ينزل فيه وحي مكروها، أو حراما، قال اللّه تعالى:

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13